اعلان

هواري بومدين رفض أن تدفع وزارة المالية ثمن كتبه وهكذا طرد السفير الأمريكي

سفير الجزائر الأسبق في بغداد ودمشق عثمان سعدي للشروق":

بومدين رفض أن تدفع وزارة المالية ثمن كتبه وهكذا طرد السفير الأمريكي

dateviewsبومدين أول رئيس عربي يواجه أمريكا برفض "إسرائيل ثانية"
  • خمسة آلاف مجلد ونسخ أصلية دفع ثمنها من مرتبه الخاص
  • أطالب أنيسة بتسليم مكتبة هواري بومدين إلى المكتبة الوطنية
  • بومدين كان سينهي مهام مصطفى الأشرف ولكن الموت سبق
author-picture

icon-writerحاورته: آسيا شلابي

صحافية، ورئيسة القسم الثقافي والفني بجريدة الشروق
رغم مرور 38 سنة على رحيله، لا تزال حياة الزعيم الراحل هواري بومدين مليئة بالأسرار والمفاجآت.. فعلاقاته المتشعبة مع الزعماء العرب آنذاك وعلاقاته مع رفاق السلاح من الوزراء في الجزائر المستقلة وحياته الخاصة وغيرها من المواضيع التي لا تزال محل بحث من طرف المؤرخين والإعلام، وشهادة سفير الجزائر الأسبق في كل من بغداد ودمشق عثمان سعدي للشروق سلطت الضوء على زاوية مهمة من حياة الرئيس الراحل وهي المكتبة التي لا تزال مختفية ومواقفه البطولية من مختلف الحروب والنزاعات العربية.
المكتبة لا تزال عند زوجة الرئيس السيدة أنيسة وتضم خمسة آلاف كتاب مجلد اقتنيتها للرئيس من مختلف الدول العربية ومنها النسخ الأصلية لأمهات الكتب.
قرر بومدين إنشاء مكتبة ولكنه رفض أن تدفع وزارة المالية حق الكتب المنتقاة وقرر دفعها من جيبه. استقبلني الرئيس الراحل لمدة ساعتين في مكتبه،  وكنت وقتها نائبا لسفيرنا بالقاهرة، فطلب مني أن انتقي له الكتب من القاهرة ومن بعض الدول العربية وان أقدم له ملخصات لأحدث الإصدارات. كما طلب مني زيارته كلما عدت إلى الجزائر وأوصى مدير التشريفات بذلك.
عدت من القاهرة وجلدت ثلاثة نماذج وعندما التقيت الرئيس رفض الاختيار وكلفني باعتماد التجليد الذي يراه مناسبا. عندها كلفت مكتبة الخانجي بالقاهرة بجمع الكتب وشرائها من تركات المتوفين مثل  "الأغاني لأبي فرج الأصفهاني" حيث حصلت على النسخة الأصلية لدار الكتب وكتاب "صبح الأعشى للقلقشندى" الذي طبعت أجزاؤه الأربعة عشر بين 1913 و1918 .
أرسلت الكتب المجلدة إلى الجزائر وكنت قد اتفقت مع وزير المالية آنذاك الشريف بلقاسم على تسديد فواتير كتب الرئيس .
وبعدها بأيام قليلة وصلني طلب من الخارجية يقضي بضرورة زيارة الجزائر، وبمجرد وصولي بلغني أن الرئيس يريد مقابلتي وهو ما حصل. عاتبني على تحويل فواتير الكتب إلى وزارة المالية وقال إنها كتبه وهو دفع قيمتها من ماله الخاص "لا أريد أن يدفع ثمنها غيري، إذا حاسبني الشعب لا يجدني املك إلا مكتبتي .. سدد قيمة الكتب من مرتبك، قدم لي الفاتورة ادفعها لك بيني وبينك من مرتبي أو لا داعي للتأسيس سأسحب طلبي".
فقلت له "هذه كتب وليست زورقا، كتب تقرؤها في وقت فراغك ومن حقك أن تؤسسها لك الدولة إنها مثل القلم أو الورق في مكتبك. وبعد عمر طويل ستقدم هدية إلى المكتبة الوطنية وعليها اسمك ليقرأها المواطنون كتذكار جميل".

تقول إن الرئيس الراحل دفع قيمة الكتب من مرتبه.. ألا يحق لزوجته اعتبارها إرثا عائليا والاحتفاظ بها؟ 
أوجه من منبر الشروق نداء إلى زوجة الراحل بومدين وأطالبها بتسليم المكتبة التي تضم حوالي خمسة آلاف كتاب مجلد من أمهات الكتب لتوضع في ركن بالمكتبة الوطنية وتحمل اسمه.
هذه الكتب تمكنت من جلبها من القاهرة وبغداد ودمشق، حيث كنت اطلب من دور النشر ما اختار من عناوين وأرفق الطلب بملاحظة أن الكتب من اجل الرئيس بومدين. فيرفض الناشرون إرسال الفواتير ويعتبرونها هدية للرئيس الراحل، وكنت قد اتفقت مع مدير التشريفات آنذاك عبد المجيد علاهم على أن يرسل رسالة شكر موقعة من طرف الرئيس.
وتشاء الأقدار أن يتوفى الرئيس من دون أن يسدد آخر فاتورة لكتب من سوريا كنت قد دفعت ثمنها من مرتبي على أن يدفع لي بعدها كما كنا قد اتفقنا وقررت أن احتفظ بالفاتورة للذكرى وقيمتها 594 ليرة وهي قيمة تجليد كتاب بهجة المجالس وأجزاء من الأغاني وتاريخ الأدب العربي .

كيف تم تعيينك في الخارجية الجزائرية؟ وما دور علاقتك ببومدين أيام الدراسة في التعيين؟
عرفت بومدين في مدينة قسنطينة عام 1949 عندما كان طالبا في الكتانية، كنت وقتها طالبا في معهد بن باديس، وكنا نلتقي في مكتب حزب الشعب الجزائري "انتصار الحريات الديمقراطية".
انتقل بومدين إلى القاهرة في الخمسينيات ليلتحق بالأزهر وأنا كنت في جامعة القاهرة وكنا نلتقي في اتحاد الطلبة الجزائريين "رابطة الطلبة". وعندما أصبح رئيسا سافرت معه إلى يوغسلافيا 1966، وكنت وقتها في وزارة الخارجية "قسم الاقتصاد".
التقينا هناك ثم انقطع التواصل بيننا إلى غاية سنة 1970 وبالضبط خلال تنظيم مؤتمر المنظمة العربية للتنمية الصناعية على مستوى العالم العربي، وكنت عضوا فيها حيث نظمنا ندوة في "نادي الصنوبر". وبعد اختتام جلسة منها  خرجت لأتمشى على كورنيش نادي الصنوبر، وهناك شاهدته رفقة رابح بيطاط، ناداني ثم أمسك يدي ومشينا قليلا ثم قال انه يجب أن نلتقي، فأخبرته أن مدير البروتوكول لا يريد أن أراه، وكان آنذاك مولود حمروش نائب مدير البروتوكول عبد المجيد علاهم.
نادى الرئيس حمروش وطلب منه ترتيب موعد وكنت مقيما آنذاك على مستوى فندق السفير اليوم (لاليتي سابقا).

وماذا أثمر لقاؤك بالرئيس هذه المرة؟ 
قابلته سنة 1970 وقال لي أريد رؤيتك حوالي أربع إلى خمس مرات سنويا، وستعين سفيرا. وكنت وقتها نائبا لسفيرنا في القاهرة بوعلام بالسايح الذي عملت معه بعد الأخضر الإبراهيمي الذي غادر إلى لندن.  وقال يجب أن أراك لتعطيني فكرة عن العالم العربي لأني لا أعتمد على السفراء الحاليين "أنت درست بالقاهرة وعشت بها وتعرف العالم العربي".
وعندما توفي جمال عبد الناصر حضر لجنازته كنت قائما بالأعمال في السفارة. ثم عينني بعدها في 1971 سفيرا في بغداد ثم في سوريا سنة 1974.

عندما كنت سفيرا في بغداد.. كيف كانت علاقة بومدين مع صدام حسين؟
صدام حسين كان الزعيم على مستوى العالم العربي أنذاك رفقة جمال عبد الناصر في مصر وهواري بومدين في الجزائر، وكان الغرب يعتبرمفاتيح خريطة الوطن العربي هي الجزائر ومصر والعراق.
رتبت له زيارة الجزائر في يونيو 1974 كان احمد حسن البكر رئيسا للعراق وصدام حسين نائبا له وكان الماسك الحقيقي بزمام الأمور في العراق، استقبل من بومدين كرئيس دولة نزل في دارة بنادي الصنوبر وطلب السباحة في البحر فخصص له يخت الرئاسة وسبح حوالي كيلومترين  وقرر إرسال أولاده لقضاء فصل الصيف بالجزائر بعد أن انبهر بطبيعتها وقال له بومدين دارة وسيارة تحت تصرف العائلة. العلاقة صارت جيدة جدا بينهما وتحولت مع مرور الوقت إلى صداقة.
وعقد سنة 1975 مؤتمر الأوبيك بالجزائر وشارك به شاه إيران وصدام حيث جمعهما بومدين وحلت المشاكل بين العراق وإيران فتخلى الشاه عن الأكراد بالعراق فانهارت حركتهم وهذا يحسب لبومدينز.
ومن الأشياء المهمة أيضا زيارة الرئيس بومدين للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1973 حيث استقبله الرئيس نيكسون الذي أثار معه موضوع العلاقة بين أمريكا والعرب، بومدين كان يمثل العرب بعد القمة العربية التي جرت في الجزائر، ومما قاله له نيكسون أن المشكل مع العرب هو مسألة إسرائيل، ودعاه إلى تخطي الموضوع من أجل علاقة جيدة، فرد عليه بومدين قائلا "أنتم تريدون خلق إسرائيل ثانية في شمال العراق"، فرد عليه نيكسون باستغراب "إسرائيل ثانية"  و-طبعا بومدين كان يقصد الأكراد-   ومن جهتي كسفير بلغت الرسالة والحوار الذي دار بينهما حول الموضوع فقال لي الرئيس العراقي البكر وصدام حسين "بومدين أول رئيس عربي يثير القضية بهذا الأسلوب مع رئيس دولة كبرى هي أمريكا".

بومدين لم يكن متفقا مع سياسة حافظ الأسد خاصة ما تعلق بنزاعاته مع دول الجوار.. كيف تعاملت كسفير في دمشق مع العلاقة المتوترة؟
كان الرئيس بومدين يعطيني دوما الإذن بتبليغ رسالة باسمه إلى الرئيس حافظ الأسد، لأنه ليس من صلاحياتي لقاءه والحديث معه. مثلا عندما وقعت أزمة "نهر الفرات" بين العراق وسوريا، وكان السوريون يملأون في سد الطبقة مما أدى لإفراغ نهر الفرات، وقعت أزمة وطلبت مقابلة مع الرئيس السوري باسم الرئيس بومدين.
ونقلت عنه انه يجب إيجاد حل ودي وبطريقة عادية، وتم إيجاد حل للمشكل بفضل الأتراك الذين يملكون سد -كيبان- وهو أكبر سد بالمنطقة ،  لكن النتيجة كانت تشققات في السد والشركة الأمريكية التي بنته طالبت بتفريغ السد لإصلاح التشققات، فاضطروا لإطلاق المياه في الفرات وبعدها امتلأ "سد الطبقة"بسوريا في أيام، فاحتج السوريون على تركيا، حينها طلب السفير التركي مقابلتي وقال لي "لم أفهم كيف تحتجون كعرب على امتلاء الفرات"، فقلت له "لأنكم أفسدتم العلاقة بين سوريا والعراق، وأنهيتم المشكلة أصلا".
واذكر أيضا موضوع حشد حافظ الأسد الجيش السوري وكان الهدف هو غزو العراق، فطلبت لقاء الرئيس السوري وقلت له  الرئيس بومدين يقول لك "عيب ما تدبرون"، فقال "الرفاق في القيادة القومية قالوا لي يجب أن نتوقف عن استيراد السلاح من الاتحاد السوفياتي وأمامنا خزائن بغداد"، عندها قلت له "أمامكم ثلاثة موانع هي بادية الشام وصحراؤها ونهر الفرات وهو مانع مائي، ثم جيش العراق، الرئيس بومدين يقول لك إذا وقع الصدام بينكما ستكون بادية الشام مقبرة للجيش السوري والعراقي"، ونتيجة لذلك حل المشكل وانسحبت القوات السورية.

لاتزال رواية تسميم الرئيس بومدين بتخطيط من صدام متداولة رغم نفي الشهود وزوجته؟
هناك شخص واحد حاول إيقاظ الفتنة بين الجزائر والعراق وهو وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس، فزعم أنه توفي بكاميرا بإشعاع سلطت عليه في بغداد وهي فكرة تافهة وغير منطقية.
بعد وفاة عبد الناصر بقي للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية زعيمان هما صدام حسين وبومدين، وطبعا هواري بومدين كان البارز في ذلك الوقت، كقائد عربي. أما مرض بومدين وفقا للأطباء الروس الذين فحصوه فهو إما بفاعل كيماوي أو  طبيعي وهو خلل في الكريات الدموية  البيضاء والحمراء، وليس مستبعدا أن يكون قد سمم ولكن بطريقة متطورة جدا يصعب كشفها.

العلاقات المصرية في عهد الرئيس بن بلة كانت أكثر متانة وانسجاما ثم فرض الرئيس بومدين نفسه بعد الانقلاب ورمم العلاقة من جديد؟ 
المصريون تصوروا أن خط الدولة الجزائرية سيتغير مع بومدين لكنهم اكتشفوا أن خط الجزائر السياسي لم يتغير، وهو الأمر نفسه الذي وقع مع كاسترو الذي كان ساخطا على الجزائر بعد الانقلاب في 1965، لكنه عندما لاحظ أن خط الجزائر لم يتغير مع الاشتراكية في حكم بومدين عاد وزار الجزائر وكون علاقات جيدة مع بومدين.
وفي 1967 عندما دمر الإسرائيليون الطيران المصري، هاتف عبد الناصر الرئيس بومدين وقال له "لم تتبق لي طائرة واحدة"، فرد بومدين "أرسل من يأخذها سأرسل لك، كل الطائرات الجزائرية العسكرية، لأن المصريين يعرفون الأجواء المصرية أفضل"، وهنا رصد الأمريكان المكالمة وطلب السفير الأمريكي لقاء بومدين. وروى لي من كان حاضرا أن السفير أخبر بومدين عن علمهم بأمر إرسال الطائرات وحكومة أمريكا متضايقة من ذلك . فقال له بومدين "انتهى الزمن الذي كانت فيه أمريكا تعطي الأوامر والشعوب الصغيرة تطيع"، ثم أردف "انتهت المقابلة يا سعادة السفير"، ووقف وخرج قائلا للبروتوكول علاهم "رافق سعادة السفير"، وهي أقصر مقابلة بين رئيس دولة وسفير حسب ما يقال... وأرسل بومدين الطائرات بين ميغ 15 وميغ 17 وهي التي شاركت في الحرب لدرجة أن الأشقاء في مصر قاموا بصباغة الطائرات ونسوا واحدة طارت بالعلم الجزائري، وحينها صرح موشي ديان الاسرائيلي وقال "الطائرات الجزائرية هي من تضرب إسرائيل"، ولما توقفت الحرب أرسل قوات بقيادة خالد نزار رابطت في القناة وقامت ببطولات شهد لها الإسرائيليون أنفسهم وكل هذا بإشراف الرئيس هواري بومدين،  لذلك فالعلاقة لم تختلف بين فترة بن بلة وفترة بومدين.

بومدين القائل "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" كان قد اتخذ موقفا سلبيا من ياسر عرفات في مرحلة ما.. هل لك أن تذكرنا بتفاصيل القضية؟ 
من ضمن المواقف التي جمعتني بالراحل بومدين عندما كنت سفيرا بسوريا جاءني أبو جهاد رحمه الله في دمشق وقال لي أن العلاقة سيئة بيننا وبين بومدين، نتيجة تصريح أدلى به ياسر عرفات وفهم منه بومدين أنه دعم للمغرب في موضوع الصحراء الغربية، وقطع العلاقات مع منظمة التحرير.
وأكد لي أبو جهاد أنهم قصدوا الجميع ولم يحل المشكل وقدم لي ورقة يطلب مني الوساطة، طلبت لقاء الرئيس وقبل الدخول قال لي المستشار السياسي للرئيس آنذاك إسماعيل حمداني أطال الله عمره "لا تكلمه في الموضوع، لأنه سيطردك فهو ساخط جدا على الفلسطينيين".
قدمت له عرضا لكل ما طلب مني، ثم قلت له "ما هو المشكل مع الفلسطينيين؟"، فرد "أغلقت الموضوع ولا أريد الحديث فيه فليذهبوا إلى الحسن الثاني يعطيهم، وأغلق الباب".
فقلت له "سيدي الرئيس في إمكانك أن تطردني من مكتبك وفي إمكانك أن تدخلني السجن بمكالمة هاتفية أو تعزلني من منصبي، لكن ليس في إمكانك أن تحرمني من قول كلمة الحق، إذا اقتنعت بها فاعمل بها وإذا لم تقتنع بها فارمها في سلة المهملات، فقط دعني أتكلم"، فقال لي وهو يبتسم "تكلم يا شاوي ابن شاوي"،  قلت له "أن يهب الزعماء والكثير من الناس بمن فيهم السادات المشبوه لمساعدة الفلسطينيين المحاصرين في لبنان، وأن يقف الرئيس بومدين قائد جيش التحرير الوطني ـــ ولا يهمني رئيس الدولة ـــ متفرجا فهذا سيسجله عليه التاريخ والتاريخ لا يرحم".
 لم يجبني وحمل الهاتف وحدث الدكتور أمير "ترجع العلاقات الفلسطينية كما كانت"، وهاتف عبد الحميد الأطرش في وزارة الدفاع وقال له نفس الكلام، ثم قال لي "كيف نرسل المساعدات؟"،  قلت نرسلها إلى بنغازي أو مرسى مطروح، حيث يوجد فلسطينيون بزوارق بإمكانهم إيصالها تسللا مباشرة، فتساءل لماذا لا نرسلها مباشرة إلى لبنان؟ قلت لأن شمال لبنان محاصر من أسطول سوريا وجنوبها من أسطول إسرائيل، قال إذن نرسل باخرة إلى طرابلس بالعلم الجزائري وليغرقها السوريون... هنا لاحظي كيف انقلب الرجل. لأنه وجد من يقول له أنت مخطئ ولا بد من تصحيح خطئك.

تاريخيا مواقف بومدين مع العراق وفلسطين تعارض المواقف السورية ومع ذلك استمرت العلاقات ولا تزال الجزائر إلى اليوم مع بشار الأسد؟
حافظ الأسد لم يكن يحب بومدين، وكان يحسده، علاقاتي ساءت مع السوريين ومع حافظ الأسد عندما وقع الصدام مع الفلسطينيين في 1975 حينها صدرت لي تعليمات بمساعدة الفلسطينيين وفتح السفارة لهم، وأذكر أن أم جهاد لجأت إلى السفارة الجزائرية هاربة من مطاردة الشرطة السورية فأعطيتها جواز سفر وكلمت رئيس المخابرات السورية وقلت له "هي مواطنة جزائرية الآن، وستخرج من السفارة برقم جواز سفر كذا، وإذا مست سنطرد كل السوريين الموجودين عندنا".
بدليل أن شخصيات مهمة فرت من حافظ الأسد وعاشت في الجزائر وفي بعض الدول العربية، إبراهيم ماخوس وزير الخارجية كان لاجئا وعاش ومات في الجزائر، الأتاسي رئيس الجمهربة مات بسجون حافظ الأسد وكان طبيبا في الثورة الجزائرية، طلبوا مني مثلا التدخل لدى الرئيس بومدين في مسألة سجن الأتاسي، فقلت لهم "بومدين لديه مشكل بن بلة ولا يحق لي طلب التدخل في هذا ونقلت ذلك إلى بومدين"، بعدها قال لي الرئيس بومدين "وصلتنا معلومات أن حياتك في خطر وممكن  أن يقتلك السوريون"، قلت له "جاءني ضابط علوي من سوريا إلى السفارة وقال لي حذار أن تضع رجلك في لبنان لأنهم قرروا تصفيتك برصاصة طائشة ". ساءت علاقتي بالأسد وانتهت مهمتي في سوريا أولا لم يخصص لي حافظ مقابلة كرئيس دولة لسفير يغادر وثانيا أمر بأن أودع بملحق وليس بمدير التشريفات لأنه كان متضايقا مني.
فسمع رئيس الجيش الشعبي إبراهيم العلي (العلوي) بذلك وجاء وودعني بالمطار، بوحدة من الجيش الشعبي متحديا خافظ، وفي مقابلة قال لي حافظ الأسد بالحرف "تجاوزت مهمتك في سوريا كسفير يا عثمان"، قلت "من قال إنني سفير، وفقا للإيدولوجيا البعثية أنا ضابط ارتباط بين دولتين، شاءت الأقدار أن تكونا دولتين بدل أمة ودولة واحدة".
لكن رغم كل ذلك موقفي الآن مع تحرير حلب وعودتها إلى الدولة لأنه لا توجد ثورة بسوريا الآن وإنما توجد فوضى ، قلتها للمعارضة وأعيدها هناك مئات الفصائل ولا توجد قيادة واحدة للثورة، نحن كنا جبهة واحدة، حتى مصالي الحاج حاربناه رغم انه أبو الوطنية لأنه أرادها ثورة باسمه، ورغم كل شيء أؤيد موقف الجزائر ودبلوماسيتها بأن ما يجري في سوريا هو إرهاب وليس ثورة، مع ملاحظة أن الدبلوماسية الجزائرية كان من المفروض أن تقوم بفتح الحوار منذ البداية في سوريا.

كثيرون يحملون بومدين مسؤولية تأجيل الاعتراف باللغة الامازيغية كلغة وطنية؟
لمدة ثماني سنوات قضيتها بين القاهرة والعراق وسوريا طلب مني أن أحضر له أي كتاب جديد وأن ألخص له الكتاب في صفحتين إلى ثلاث، وكلما أحضر إلى الجزائر أقدم له كتابا جديدا وفي أي تخصص خاصة السياسي، كان دائما يقول لي أنت الوحيد الذي تقدم لي صورة عما يجري في العالم العربي، كان قارئا من القراء الكبار وهو من طلب مني أثناء مناقشة الميقاق سنة 1976 أن أؤلف كتابا عن المسألة الأمازيغية، عندما ظهرت النزعة البربرية وقدمت له تقريرا في 1976 وقلت له سأكتب كتابا في هذا السياق وصدر كتابي "عروبة الجزائر عبر التاريخ" الذي طبع طبعتين، قال لي أنت أمازيغي شاوي ثم مثقف، أكتب في الموضوع.  
موقفه من قضية اللغة الأمازيغية كان نفس موقف بن بلة والشاذلي بن جديد، كانوا متفقين بأنه لا ينبغي أن نخلق ضرة للغة العربية، ويجب التفريق بين الأمازيغية والنزعة الأمازيغية، الأمازيغية عنصر من عناصر تاريخنا لا ننكره، النزعة الأمازيغية هي تدميرية لأنها تريد صراعا مع اللغة العربية من أجل بقاء هيمنة الفرنسية على الحياة والدولة الجزائرية، حتى الشاذلي بن جديد كان موقفه هكذا واليامين زروال وهو شاوي كان موقفه نفس الشيء.

هل ممكن أن تعطينا بعض تفاصيل معركة التعريب؟ وكيف تعامل بومدين مع المعارضين له؟
جيش التحرير الوطني تكون من عنصرين في البداية لا ثالث لهما، عنصر الفلاح الجزائري الأمي وإطارات الجيش من طلاب اللغة العربية من حفظة جزء "عم" إلى خريجي الأزهر والزيتونة ومدارس حزب الشعب وجمعية بن باديس، لهذا أن يأتي بومدين الطالب الأزهري كرئيس لجيش التحرير الوطني ليس بالصدفة، لأن الجيش هيكله كله باللغة العربية.
الانحراف وقع فيما بعد مع طلبة ماي 1956 في المدارس الفرنسية والجامعات الذين توقفوا عن الدراسة وسيطروا على الجهاز الخارجي للثورة وهو الحكومة المؤقتة وأجروا محادثات مع الفرنسيين، وجاءت اتفاقيات إيفيان بنص واحد بالفرنسية التي مثلت الوفدين، بينما اتفاقية جنيف التي أوقفت الحرب بين الفيتنام وفرنسا جاءت بنصين الفيتنامية والفرنسية.
منذ ذلك الوقت دخل الفرانكفونيون وحولوا الثورة الجزائرية من ثورة شعبية إلى ثورة فرانكفونية. بومدين مؤمن باللغة العربية وكان عارفا بالفرنسية ولكن الشاذلي بن جديد طور التعريب، كنت عضوا في اللجنة المركزية للحزب من 1979 إلى 1989 وعلى مدار عشر سنوات تم التعريب كاملا، حيث كانت في وقت بومدين ثلث الأقسام في المدارس معربة والثلثين مفرنسة ، كانت بكالوريتين واحدة معربة وأخرى مفرنسة.في المؤتمر الرابع لجبهة التحرير الوطني سنة 1979 سيطر أنصار التعريب وتم إلغاء البكالوريا المفرنسة وتعميم التعريب وهذا في وقت الشاذلي بن جديد.

وكيف تعامل بومدين مع ثورتكم على مصطفى الأشرف ونضالكم لحماية مشروع التعريب؟
في مسألة مصطفى الأشرف كنت نائبا في المجلس الوطني الشعبي وأصدرنا إشعارا غريبا للرئيس بومدين، فحواه أنه إذا وطأت قدما الأشرف المجلس سيضرب، بومدين تأثر وناقشنا في جلسة مغلقة بالمجلس الشعبي الوطني لثلاث ساعات.
وقعت عملية تسريب ومحاولة إجهاض للحوار فكلفت سكينة بغريش النائب أن تطرح أول سؤال عن الأشرف، قال لها بومدين "الأشرف نشر مقالات لا تلزمنا وهي تعبر عن شخصه وآرائه الشخصية، لا نطبقها ونغلق هذا الباب". وأعطى الكلمة  لبوكعباش الصحفي الذي  قال له "كنت سأتحدث عن الأشرف لكنك أغلقت الباب" وكنت أنتظر الكلمة، حتى قال لي تكلم يا عثمان، قلت له "عندي ما أقول في مسألة الأشرف إذا اتسع صدركم لذلك"، ابتسم وقال "هات ما عندك" وقال لهم "لمعلوماتكم عثمان سعدي لا يعرف العربية فقط بل الفرنسية والانجليزية والفارسية، هات ما عندك" فقلت "الأشرف نشر مقالات، لكن الأمرية التي وقعتها بنفسك في 1976 هو غيرها بمرسوم وزاري، الشعب الأدبية كانت كلها معربة، فأصدر قرارا بخلق شعب مفرنسة وهذا ضد الشعب المعربة"، سجل بومدين الملاحظة وواصلت: "من حقك أن تسمح له كوزير، لكن من حقنا كنواب أن نقول لا يعدل التشريع إلا بتشريع أو بمرسوم من رئاسة الجمهورية، وهذا عدوان على التشريع ونحن نحتج"، وكان وزير التعليم العالي آنذاك عبد اللطيف رحال حاضرا للجلسة قلت له "سيدي الرئيس المشكل أيضا يمس وزارة التعليم العالي"، فقال لي "يا سي عثمان حتى هذه فيها مشكل"؟، قلت "مثلا كلية الحقوق معربة والوزير يصدر قرارا بفتح كلية حقوق مفرنسة مع إلغاء الشعبة المعربة، قال لي تقصد كلية تيزي وزو، قلت له "وتلمسان"، قال لي "والله لا أدري بأمر تلمسان"، سجل كل شيء ثم قال لي "في النهاية تأكدوا أن موضوع التعريب لا رجعة فيه، قلت له أنت تملك اللغة العربية وتغار عليها ونتيجة لذلك أرسل لي فيما بعد من يقول لي إن الرئيس قرر إقالة مصطفى الأشرف.. وجاء الموت ليبقى الأشرف.
في المؤتمر الرابع بعد وفاة بومدين بحضور خمسة آلاف مشارك ألقيت تقرير لجنة التربية والتعليم تضمن سبع تعديلات تمس مباشرة الأشرف صفق لها المؤتمرون وقوفا وبحضور الأشرف. 
وقد سبق للشريف مساعدية أن طلب من اللجنة عدم مس الأشرف في التقرير  قولوا تعريب كذا ولا تقولوا يعاد تعريب فهذا يسيء للأشرف، قلت له كان معربا وجاء مصطفى الأشرف ففرنسه"، قال لي "هذا تجريح له"، قلت "نحن مناضلون وسنعرض رأيك على اللجنة " قال لي "لا تعرضوها" وغادر.

ليست هناك تعليقات