اعلان

صديق الرئيس الراحل هواري بومدين يكشف اسرار جديدة عنه

صديق الرئيس الراحل هواري بومدين يكشف اسرار جديدة عنه
صديق طفولة هواري بومدين الحاج اسماعيل فصيح للشروق :
بومدين كان يقرأ كتبا عن غاندي والأفغاني وصلاح الدين الأيوبي
وكان عاشقا لأغاني عبد الوهاب ولا يأكل إلا بزيت الزيتون
كسر المجاهد إسماعيل فصيح، القاطن في مدينة عنابة، صمته الطويل، بعد قرابة أربعين سنة عن وفاة الراحل هواري بومدين، وفتح قلبه للشروق، في هذا الحوار الذي يحاكي أيام دراسة الراحل هواري بومدين وطفولته، حينما كان زميلا لإسماعيل خاصة أنهما في نفس السن، ومن نفس الولاية قالمة، وبقيا صديقين حميمين إلى غاية رحيل هواري بومدين في أواخر ديسمبر من عام 1978.
كيف تعرفت على الراحل هواري بومدين؟
أنا من مواليد 15 جوان 1932 في بلدية سلاوة عنونة بولاية قالمة، وهو نفس تاريخ ميلاد الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي تعرفت عليه في منتصف أربعينيات القرن الماضي، عندما درسنا في مدرسة الكتانية بقسنطينة، وسكنا حينها في دار بن جلول في وسط مدينة قسنطينة، ودامت صداقتنا الطفولية إلى غاية سنة 1948.
هل كان الطفل بومدين ثوريا منذ صغره؟
كنا مداومين كل يوم خميس وجمعة، على الاجتماع لأجل تبادل الأحلام، وكنا نجلس في منزل بن جلول حول طاولة شاي وقهوة، وأتولى الخطابة عليهم، ثم يعود كل واحد منا إلى غرفته حيث تواجد بومدين رفقة صديق سفريته إلى مصر محمد صالح شيروف الذي مازال على قيد الحياة، والأخ بولذروع رحمه الله، بينما جمعت غرفتي مومني محمد العربي أطال الله عمره، والراحل رمضان زايدي، وكان انضمامي لحزب الشعب هو من قرب بومدين فضولا نحوي، وجعله يناديني بالزعيم، كنت أخطب بحماسة وأنشد على الدوام رائعة الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي إرادة الحياة: إذا الشعب يوما أراد الحياة - فلا بد للقيد أن ينكسر.
كان هم هواري بومدين في ذلك الوقت هو قراءة كتب التاريخ، وحياة كبار الزعماء وكان يرى نفسه فيهم.
هل تذكر أول حديث دار بينكما؟
لا أذكر بالتحديد، ولكن جدالا عمره الآن قرابة السبعين سنة دار بيننا لا أنساه أبدا، عندما سألني إن كان السياسيون، هم الذين يحسمون المعارك أم العسكريون، وبينما كنت أفكر في الإجابة، أكمل يحدثني عن محمد نجيب الذي كان" كولونيل" في القاهرة، ويعمل في السياسة، ففهمت بأن الرجل يريد أن يخلط السياسة بالعسكر، حتى يحقق النجاح لبلاده، كانت نهاية الجدال رسالة قوية من بومدين لي ولحزب الشعب، مفادها بأن السياسة لا معنى لها في حالة الجزائر إذا لم تكن معجونة بالعمل العسكري.
هل واظب على حضور الجلسات؟
نعم، إلى غاية هروبه الشهير إلى مصر مشيا على الأقدام، رفقة صديقه محمد الصالح شيروف، كان بومدين لا يرتدي غير القشابية أو البرنوس، ولكن في الأيام الأخيرة قبل سفره، فقد الكثير من لباسه الأنيق، إلى أن غاب رفقة زميليه محمد الصالح شيروف و مومني عن لقاء الخميس، فأسرعت إلى بيتهم لأسأل عنهم، ففتح هواري بومدين الباب، وأخبرني بأنهم بصدد التحضير لمسابقة كانت ستقام في زاوية بوحجر بنواحي قسنطينة، فلمتهم لأنهم لم يخبروني بالمسابقة للمشاركة فيها، فاكتفى بومدين بطلب قبعتي أو مايسمى بالكبوس للتوجه به إلى الزاوية فمنحته إياه.
لماذا تكتم بومدين عن مغامرة سفره إلى مصر؟
أهم ميزة كانت في الراحل هواري بومدين، هي التكتم على مشاريعه، يخفي حتى على والديه عنهما ما يقوم به، علمت عندما بحثت عنهم بأن حكاية امتحان زاوية بوحجر ، كانت مجرد خدعة من بومدين، عندما أخبرني الشهيد رمضان زايدي عن وجهة بومدين ورفيقيه إلى مصر عبر تونس، فتنقلت سريعا، إلى محطة الحافلات، التي تنقل المسافرين من قسنطينة إلى تبسة، فلحقت بهم في الحافلة، فخرج بومدين من الحافلة، وطلب مني أن أسامحه، فشتمتهم جميعا، ومع ذلك حضنني بومدين بقوة وطلب مني أترك له الكبوس، وغادر في أكبر مغامرة إلى تبسة عبر الحافلة ومنها إلى تونس ليصل إلى مصر بعد رحلة دامت شهرين عبر ليبيا مشيا على الأقدام.
هل بقي بومدين بعد وصوله إلى مصر على اتصال بكم؟
داوم بومدين على بعث رسائل مطولة إلى المجاهد محمد الصالح رحاب فكنا نقرأها بشكل جماعي، كما كان بين الحين والآخر يرسل له والده المال عبر المجاهد رحاب، وطالتني المشاكل بعد سفرهم، حيث جاءني مدير مدرسة الكتانية المرحوم لخذاري، وطلب معرفة الوجهة، التي سافروا إليها، ثم اقتادني " كوميسار" في الشرطة يدعى شريف خرخار، فخيرني بين إخباره عن وجهتهم وإلا طردني من المدرسة، خاصة أن زمن رحيلهم تزامن مع الثورة التي قامت في تونس، وربط الفرنسيون في ذلك الوقت كل التحركات مع ما يجري لدى الجارة تونس، فأخبروني على الحضور إلى المفتشية بشكل يومي، من أجل أن أخبرهم بأي معلومة عن بومدين ورفاقه، الذين سافروا إلى مصر، وطردوني من مدرسة الكتانية لمدة سنة كاملة، وعندما علموا بأنهم في القاهرة مع مرور الأشهر، سمحوا لي بالعودة للمدرسة.
ما هي الكتب التي كان يقرأها بومدين؟
كلها تاريخية مثل غاندي وجمال الدين الأفغاني و صلاح الدين الأيوبي و تشارشل و رومل.
ما هي الأكلات التي كان يشتهيها؟
الحاج فصيح: الكسكسي و الكسرة على طريقة شرق البلاد وخاصة زيت الزيتون، كان يحضره من بلدية مجاز عمار حيث يسكن أهله، وكنت أتزود بهذه المادة الغذائية من عائلة بوخروبة، لم أذكر أن بومدين تناول طعامه من دون زيت الزيتون.
هل كان بومدين يسوق السيارة؟
نادرا ما يقوم بذلك، عندما كان يسهر في عمله إلى الثانية صباحا كان يطلب من سائقه الخصوصي العودة إلى بيته، ويعود هو إلى بيته بنفسه عبر سيارته، لم يحدث أن قاد سيارته في النهار، وما كان يميز بومدين أنه كان لا ينام أكثر من ثلاث ساعات في اليوم الواحد.
ما هي هواياته؟
مان يصر على التوجه إلى أحد المقاهي بقسنطينة من أجل الاستمتاع لأغاني محمد عبد الوهاب، لكن غريب ان هذا الموسيقار الكبير الذي عاش قرابة القرن لم يزر الجزائر أبدا.
كيف تحول محمد بوخروبة إلى هواري بومدين؟
منذ سفر بومدين إلى مصر لم ألتق به إلى غاية بداية سنة 1962 عندما سمعت بأن ضابطا اسمه هواري بومدين قادم من تونس، بعد مشاركته في مؤتمر طرابلس، وكنا قد سمعنا بهواري بومدين الذي جاء عبر باخرة إسبانية، وكانت المفاجأة الكبرى أن بومدين هذا هو صديق طفولتي محمد بوخروبة، فقد كان اسما تضليليا للاستعمار، وتحول الى اسم ثوري وثاني رئيس للدولة الجزائرية المستقلة.
التقييم في أيام الاستقلال الأولى؟
صرت ضابطا بعد الاستقلال، وكان أول لقاء جمعني بوزير الدفاع هواري بومدين في بيته، في بلدة هيليوبوليس بولاية قالمة، في سنة 1963، توجهنا، في سيارة السيد عبد الحميد براهيمي الذي كان واليا على عنابة، وكان رفقتنا عبد القادر عبد اللاوي، أذكر أن بومدين تحدث بألم عن بور الأراضي الفلاحية، وسأل والي عنابة عبد الحميد براهيمي عن الأكواخ القصديرية، التي ملأت المدينة وعن ضياع الفلاحة، ثم طلبت من أن ينقلني من وهران إلى منطقتي قالمة، واشتكيت له الغربة، فابتسم وقال لي أعرفك صبورا، ولم يساعدني في الأمر.
وبعد الاطاحة بأحمد بن بلة؟
كنت حينها في الكلية الحربية بالقاهرة أزاول دراستي، ثم التقيت به في مؤتمر للمجاهدين بالعاصمة، زارني ولامني لأنني لا أزوره أبدا، فأفهمته باستحالة ذلك بسبب انشغالاته أولا والحراسة وتعقيدات الوصول إليه؟
وآخر لقاء بينكما؟
كان هذا سنة 1977، كان بومدين في زيارة رسمية إلى ليبيا، وعندما عاد توقفت الطائرة في عنابة، فقضى ليلته بالمدينة، كنت حينها الأمين الولائي للمجاهدين، فتناولنا وجبة عشاء، أذكر بأنها كانت عبارة عن شربة وكسرة كالعادة، ثم التفت إلى وطلب مني أن أزوره في العاصمة، فحدثته عن الأغوال المحطين به، فضحك وكانت آخر مرة التقى به.
نقلا عن جريدة الشروق

ليست هناك تعليقات